فصل: تفسير الآيات (69- 71):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (54- 55):

{إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)}
قوله تعالى: {إن تبدوا شيئاً أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليماً} توبيخ ووعيد لمن تقدم به التعريض في الآية قبلها ممن أشير إليه بقوله: {ذلكم أطهر لقلوبكم} [الأحزاب: 53] ومن أشير إليه في قوله: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} [الأحزاب: 53] فقيل لهم في هذه إن الله يعلم ما تخفونه من هذه المعتقدات والخواطر المكروهة ويجازيكم عليها، ثم ذكر تعالى الإباحة فيمن سمي من القرابة إذ لا تقضي أحوال البشر إلا مداخلة من ذكر وكثرة ترداده وسلامة نفسه من أمر الغزل لما تتحاماه النفوس من ذوات المحارم، فمن ذلك الآباء والأولاد والإخوة وأبناؤهم وأبناء الأخوات، وقوله: {ولا نسائهن} دخل فيه الأخوات والأمهات وسائر القرابات ومن يتصل من المتصرفات لهن، هذا قول جماعة من أهل العلم، ويؤيد قولهم هذه الإضافة المخصصة في قوله: {نسائهن} وقال ابن زيد وغيره إنما أراد جميع النساء المؤمنات وتخصيص الإضافة إنما هو في الإيمان، وقوله تعالى: {ولا ما ملكت أيمانهن} قالت طائفة من الإماء دون العبيد، وقالت طائفة من العبيد والإماء، ثم اختلفت هذه الطائفة، فقالت فرقة: ما ملكت من العبيد دون من ملك سواهن، وقالت فرقة: بل من جميع العبيد كان في ملكهن أو في ملك غيرهن، والكاتب إذا كان معه ما يؤدي فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب الحجاب دونه، وفعلت ذلك أم سلمة مع مكاتبها نبهان، ذكره الزهراوي، وقالت فرقة دخل الأعمام في الآباء، وقال الشعبي وعكرمة لم يذكرهم لإمكان أن يصفوا لأبنائهم، وكذلك الخال وكرها أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها، واختلف المتأولون في المعنى الذي رفع فيه الجناح بهذه الآية فقال قتادة هو الحجاب، أي أبيح لهذه الأصناف الدخول على النساء دون حجاب ورؤيتهن، وقال مجاهد ذلك في رفع الجلباب وإبداء الزينة، ولما ذكر تعالى الرخصة في هذه الأصناف وانجزمت الإباحة عطف بأمرهن بالتقوى عطف جملة على جملة وهذا في نهاية البلاغة والإيجاز، كأنه قال اقتصرن على هذا {واتقين الله} تعالى فيه أن تتعدينه إلى غيره، ثم توعد تعالى قوله: {واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيداً}.

.تفسير الآيات (56- 58):

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)}
هذه الآية شرف الله بها رسوله عليه السلام وذكر منزلته منه وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء في أمر أزواجه ونحو ذلك، وقوله: {يصلون}، قالت فرقة الضمير فيه لله وللملائكة، وهذا قول من الله تعالى شرف به ملائكته فلا يصحبه الاعتراض الذي جاء في قول الخطيب عند النبي صلى الله عليه وسلم: من أطاع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد ضل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «بئس الخطيب أنت» قالوا لأنه ليس لأحد من البشر أن يجمع ذكر الله تعالى مع غيره في ضمير واحد ولله تعالى أن يفعل من ذلك ما شاء، وقالت فرقة: في الكلام حذف تقديره إن الله يصلي على النبي وملائكته يصلون، ودل الظاهر من القول على ما ترك، وليس في الآية اجتماع في ضمير، وقالت فرقة: بل جمع الله تعالى الملائكة مع نفسه في ضمير وذلك جائز للبشر فعله، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم «بئس الخطيب أنت» لهذا المعنى وإنما قاله لأن الخطيب وقف على ومن يعصهما وسكت سكتة، ومما يؤيد هذا أن في كلام النبي صلى الله عليه وسلم في مصنف أبي داود ومن يعصهما فجمع ذكر الله تعالى مع رسوله في ضمير، ومما يؤيد القول الأول أن في كتاب مسلم بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله.
قال القاضي أبو محمد: وهذا يحتمل أن يكون لما خطأه في وقفه وقال له بئس الخطيب أنت أصلح له بعد ذلك جميع كلامه لأن فصل ضمير اسم الله تعالى من ضمير غيره أولى لا محالة فقال له: بئس الخطيب أنت لموضع خطأه في الوقف وحمله على الأولى في فصل الضميرين. وإن كان جمعهما جائزاً جائزاً، وقرأ الجمهور {وملائكتَه} بنصب التاء عطفاً على المكتوبة، وقرأ ابن عباس {وملائكتُه} رفعا عطفاً على الموضع قبل دخول {إن} وفي هذا نظر، وصلاة الله رحمة منه وبركة، وصلاة الملائكة دعاء، وصلاة المؤمنين دعاء وتعظيم، والصلاة على رسول الله في كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه، وقال عليه السلام: «أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود» وصفتها ما ورد عنه عليه السلام في كتاب الطبري من طريق ابن عباس أنه لما نزلت هذه الآية قال له قوم من الصحابة: هذا السلام عليك يا رسول الله قد عرفناه فكيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى وآل إبراهيم وارحم محمداً وآل محمد كما رحمت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد» وفي بعض الروايات زيادة ونقص هذا معناه، وقرأ الحسن يا أيها الذين آمنوا فصلوا عليه وهذه الفاء تقوي معنى الشرط أي صلى الله فصلوا أنتم، كما تقول أعطيتك فخذ، وفي حرف عبد الله صلوا عليه كما صلى الله عليه وسلم وا تسليماً، وقوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله} الآية، قال الجمهور معناه بالكفر ونسبه الصاحبة والولد والشريك إليه ووصفه بما لا يليق به، وفي الحديث قال الله شتمني عبدي فقال إن لي ولداً وكذبني فقال إنه لن يبعث، وقال عكرمة معناه بالتصوير والتعريض لفعل ما لا يفعله إلا الله بنحت الصور وخلقها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله المصورين»، وقالت فرقة ذلك على حذف مضاف تقديره يؤذون أولياء الله، وإذاية الرسول هي بما يؤذيه من الأقوال في غير معنى واحد من الأفعال أيضاً، قال ابن عباس نزلت في الذين طعنوا عليه حين اتخذ صفية بنت حيي.
قال الفقيه الإمام القاضي: والطعن في تأمير أسامة إذاية له عليه السلام، ولعنوا معناه أبعدوا من كل خير، وإذاية المؤمنين والمؤمنات هي أيضاً بالأفعال والأقوال القبيحة والبهتان والكذب الفاحش المختلف، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوماً لأبيّ بن كعب: إني قرأت هذه الآية البارحة ففزعت منها {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات} الآية والله إني لأضربهم وأنهرهم، فقال له: اي يا أمير المؤمنين لست منهم إنما أنت معلم ومقوم، وذكر أبو حاتم أن عمر بن الخطاب قرأ {إن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات} ثم قال يا أبي كيف تقرأ هذه الآية فقرأها كما قال عمر.

.تفسير الآية رقم (59):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)}
لما كانت عادة العربيات التبذل في معنى الحجبة وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن وتشعب الفكر فيهن أمر الله تعالى رسوله عليه السلام بأمرهن بإدناء الجلابيب، ليقع سترهن ويبين الفرق بين الحرائر والإماء، فيعرف الحرائر بسترهن فكيف عن معارضتهن من كان غزلاً أو شاباً وروي أنه كان في المدينة قوم يجلسون على الصعدات لرؤية النساء ومعارضتهن ومراودتهن، فنزلت الآية بسبب ذلك، والجلباب ثوب أكبر من الخمار، وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء واختلف الناس في صورة إدنائه، وقال ابن عباس أيضاً وقتادة وعبيدة السلماني ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها، وقال ابن عباس أيضاً وقتادة وذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه، وقوله تعالى: {ذلك أدنى أن يعرفن} أي على الجملة بالفرق حتى لا يختلطن بالإماء، فإذا عرفن لم يقابلن بأذى من المعارضة مراقبة لرتبة الحرية، وليس المعنى أن تعرف المرأة حتى يعلم من هي، وكان عمر إذا رأى أمة قد تقنعت قنعها الذرة محافظة على زي الحرائر، وباقي الآية ترجية ولطف وحظ على التوبة وتطميع في رحمة الله تعالى، وفيها تأنيس للنساء في ترك الجلابيب قبل هذا الأمر المشروع.

.تفسير الآيات (60- 62):

{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)}
اللام في قوله تعالى: {لئن} هي المؤذنة بمجيء القسم، واللام في {لنغرينك} هي لام القسم، وتوعد الله تعالى هذه الأصناف في هذه الآية، وقرن توعده بقرينة متابعتهم وتركهم الانتهاء، فقالت فرقة: إن هذه الأصناف لم تنته ولم ينفذ الله تعالى عليها هذا الوعيد، فهذه الآية دليل على بطلان القول بإنفاذ الوعيد في الآخرة، وقالت فرقة: إن هذه الأصناف انتهت وتستر جميعهم بأمرهم وكفوا وما بقي من أمرهم أنفذ الله تعالى وعيداً بإزائه، وهو مثل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليهم إلى غير ذلك مما أحله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنافقين من الإذلال في إخراجهم من المسجد وما نزل فيهم في سورة براءة وغير ذلك، فهم لا يمتثلوا الانتهاء جملة ولا نفذ عليهم الوعيد كاملاً. و{المنافقون} صنف يظهر الإيمان ولا يبطنه، {والذين في قلوبهم مرض} هو الغزل وحب الزنا قاله عكرمة، ومنه قوله تعالى: {فيطمع الذي في قلبه مرض} [الأحزاب: 32] و{المرجفون في المدينة} هم قوم من المنافقين كانوا يتحدثون بغزو العرب المدينة وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيغلب، ونحو هذا مما يرجفون به نفوس المؤمنين، فيحتمل أن تكون هذه الأصناف مفترقة بعضها من بعض، ويحتمل أن تكون داخلة في جملة المنافقين، لكنه نص على هاتين الطائفتين وهو قد ضمهم عموم لفظة النفاق تنبيهاً عليهم وتشريداً بهم وغضاً منه، و{نغرينك} معناه نحضك عليهم بعد تعيينهم لك، قال ابن عباس المعنى لنسلطنك عليهم، وقال قتادة لنحرشنك بهم، وقوله تعالى: {ثم لا يجاورونك فيها} أي بعد الإغراء لأنك تنفيهم بالإخافة والقتل، وقوله: {إلا قليلاً} يحتمل أن يريد إلا جواراً قليلاً أو وقتاً قليلاً، ويحتمل أن يريد إلا عدداً قليلاً، كأنه قال إلا أقلاء، وقوله تعالى: {ملعونين} يجوز أن ينتصب على الذم قاله الطبري، ويجوز أن يكون بدلاً من أقلاء الذي قدرناه قبل في أحد التأويلات، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في {يجاورونك} كأنه قال ينتفون ملعونين، فلما تقدر {لا يجاورونك} تقدير ينتفون، حسن هذا، واللعنة الإبعاد، و{ثقفوا} معناه حصروا وقدر عليهم، و{أخذوا} معناه أسروا، والأخيذ الأسير ومنه قول العرب أكذب من الأخيذ الصيحان، وقرأ جمهور الناس {وقتّلوا} بشد التاء، ويؤيد هذا المصدر بعدها، وقرأت فرقة بتخفيف التاء والمصدر على هذه القراءة على غير قياس، قال الأعمش كل ما في القرآن غير هذا الموضع فهو {قتلوا} بالتخفيف، وقوله تعالى: {سنة الله} نصب على المصدر، ويجوز فيه الإغراء على بعد، و{الذين خلوا} هم منافقو الأمم وقوله: {ولن تجد لسنة الله تبديلاً} أي من مغالب يستقر تبديله فيخرج على هذا تبديل العصاة والكفرة، ويخرج عنه أيضاً ما يبدله الله من سنة بسنّة بالنسخ.

.تفسير الآيات (63- 68):

{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)}
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة متى هي فلم يجب في ذلك بشيء، ونزلت الآية آمرة بأن يرد العلم فيها إلى الله تعالى إذ هي من مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها، ثم توعد العالم بقربها في قوله: {وما يدريك} الآية، أي فينبغي أن تحذر، و{قريباً} ظرف لفظه واحد جمعاً، وإفراداً، ومذكراً ومؤنثاً، ولو كان صفة للساعة لكان قريبة، ثم توعد تعالى {الكافرين} بعذاب لا ولي لهم منه ولا ناصر، وقوله تعالى: {يوم} يجوز أن يكون متعلقاً بما قبله والعامل {يجدون}، وهذا تقدير الطبري، ويجوز أن يكون العامل فيه {يقولون} ويكون ظرفاً للقول.
وقرأ الجمهور {تُقلَّب وجوههم} على المفعول الذي لم يسم فاعله بضم التاء وشد اللام المفتوحة، وقرأ أبو حيوة {تَقلب} بفتح التاء بمعنى تتقلب، وقرأ ابن أبي عبلة {تتقلب} بتاءين، وقرأ خارجة وأبو حيوة {نقلب} بالنون، وقرأ عيسى بن عمر الكوفي {تُقلِب} بكسر اللام وضم التاء أي تقلب السعير. وبنصب الوجوه في هاتين القراءتين، فيتمنون يومئذ الإيمان وطاعة الله ورسوله حين لا ينفعهم التمني، ثم لاذوا بالتشكي من كبرائهم في أنهم أضلوهم، وقرأ جمهور الناس {سادتنا} وهو جمع سيد، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وابن عامر وحده من السبعة وأبو عبد الرحمن وقتادة وأبو رجاء والعامة في المسجد الجامع بالبصرة {ساداتنا} على جمع الجمع، و{السبيلا} مفعول ثان لأن أضل معدى بالهمزة، وضل يتعدى إلى مفعول واحد فيما هو مقيم كالطريق والمسجد وهي سبيل الإيمان والهدى، ثم دعوا بأن يضاعف العذاب للكبراء المضلين أي عن أنفسهم وعمن أضلوا، وقرأ عاصم وابن عامر وحذيفة بن اليمان والأعرج بخلاف عنه {لعناً كبيراً} بالباء من الكبر، وقرأ الجمهور والباقون {لعناً كثيراً} بالثاء ذات الثلاث والكثرة أشبه بمعنى اللعنة من الكبر أي العنهم مرات كثيرة.

.تفسير الآيات (69- 71):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}
{الذين آذوا موسى} هم قوم من بني إسرائيل، واختلف الناس في الإذاية التي كانت وبرأه الله منها، فقالت فرقة هي قصة قارون، وإدخاله المرأة البغي في أن تدعي على موسى ثم تبرئتها له وإشهارها بداخلة قارون، وقد تقدمت القصة في ذكر قارون، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه هي أن موسى وهارون خرجا من فحص التيه إلى جبل مات هارون فيه، فجاء موسى وحده، فقال قوم هو قتله، فبعث الله تعالى ملائكة حملوا هارون حتى طافوا به في أسباط بني إسرائيل ورأوا آية عظيمة دلتهم على صدق موسى ولم يكن فيه أثر، وروي أنه حيي فأخبرهم بأمره وببراءة موسى، وقال ابن عباس وأبو هريرة وجماعة هي ما تضمنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة وكان موسى عليه السلام يتستر كثيراً ويخفي بدنه فقال قوم هود آدر أو أبرص أو به آفة فاغتسل موسى يوماً وجعل ثيابه على حجر ففر الحجر بثيابه واتبعه موسى يقول ثوبي حجر ثوبي حجر، فمر في أتباعه على ملأ من بني إسرائيل، فرواه سليمان مما ظن به، الحديث بطوله خرجه البخاري {فبرأه الله مما قالوا} والوجيه المكرم الوجه، وقرأ الجمهور {وكان عند الله}، وقرأ ابن مسعود {وكان عبد الله}، ثم وصى عز وجل المؤمنين بالقول السداد، وذلك يعم جميع الخيرات، وقال عكرمة: أراد لا إله إلاَّ الله، والسداد يعم جميع هذا وإن كان ظاهر الآية يعطي أنه إنما أشار إلى ما يكون خلافاً للأذى الذي قيل في جهة الرسول وجهة المؤمنين، ثم وعد تعالى بأنه يجازي على القول السديد بإصلاح الأعمال وغفران الذنوب، وباقي الآية بين.